لا يشك متأمل لتاريخ الأمة الإسلامية العريق أن الأمة اليوم تعاني أشد أحوالها، وتمر بأصعب أيامها، فإنه وإن كان قد نزلت بالأمة نكبات كبار، وحلت بها كوارث جسام، وأحدقت بها أزمات عظام، إلا أنها عبر تلك العصور لم تتزعزع ثقتها بدينها، ولم تفقد الثقة بربها، فهي لم تزل رغم شدة البلاء، وتنوع الأعداء معتزة بدينها، فخورة بإسلامها، راضية بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً؛ لذا فإنها سرعان ما وثبت من رقادها، وأفاقت من سكرتها، فتبددت همومها بمراجعة دينها والتوبة لربها.
أما اليوم: فإن الأمة مغزوة من داخلها، ومحاربة من خارجها:
أما غزوها من داخلها: فبجحافل المنافقين المتربصين من العلمانيين وأشياعهم، الذين أضعفوا إيمان الأمة بربها، وتمسكها بدينها؛ بإثارة الشبهات وبثها، وبالترويج للشهوات وتزيينها وإشاعتها، فأصيب قطاع كبير من أبناء الأمة في دينهم، وإيمانهم فإنا لله وإنا إليه راجعون، وقد أجاد من قال:
وكل كسر فــإن الله يجبـــره *** وما لكسر قناة الدين جبران
أما حربها من خارجها: فهذا التداعي العالمي لأمم الكفر والإلحاد من اليهود والنصارى، والوثنيين، والملحدين على أمة الإسلام كما أخبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «
يُوشِكُ الْأُمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمْ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إِلَى قَصْعَتِهَا.
فَقَالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلَّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ ؟
قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ وَلَكِنَّكُمْ غُثَاءٌ كَغُثَاءِ السَّيْلِ وَلَيَنْزَعَنَّ اللَّهُ مِنْ صُدُورِ عَدُوِّكُمْ الْمَهَابَةَ مِنْكُمْ وَلَيَقْذِفَنَّ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ الْوَهْنَ.
فَقَالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا الْوَهْنُ
قَالَ: حُبُّ الدُّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ » رواه أبو داود وأحمد.
وصدق الصادق المصدوق، فأعداد المسلمين اليوم كثيرة ولكنها لا تفرح صديقاً، ولا تخيف عدواً، فهم غثاء كغثاء السيل.
وأما أعداء الأمة، فقد تنادوا وتداعوا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: فالوثنيون والملحدون ممثلين بالعالم الشرقي يسومون المسلمين سوء العذاب، ويسحقون من قدروا عليه منهم بالحديد والنار، يتربصون بكم الدوائر ويكيدون لكم المكايد، ولا يجدون فرصة ينفسون بها عن أحقادهم وضغائنهم إلا بادروا إليها، {
وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } [آل عمران: 118].
وخير شاهد على صدق ما نقول: ما يعانيه إخوانكم المسلمون من إبادة وتنكيل على أيدي هؤلاء المجرمين في كشمير والهند وبورما والشيشان، وغيرها.
أما اليهود ممثلين بدولة إسرائيل: فحدث عن عدائهم ولا حرج، فهم سماسرة الكيد، وأرباب الخبث والكفر، زرعوا دولتهم في قلب العالم الإسلامي، وضربوا أفظع الصور في تشريد المسلمين وإذلالهم، والتسلط عليهم، والتلاعب بهم، وانتهاك حرماتهم ومقدساتهم، والهيمنة عليهم، وشاهد هذا ما يجري على المسلمين في أرض فلسطين وغيرها على أيدي هؤلاء الأنجاس الأرجاس.
أما النصارى الصليبيون ممثلين بالعالم الغربي والأوربي الكافر: فهم ورثة الأحقاد والضغائن على أمة الإسلام، فهم ضائقون بالإسلام منذ ظهوره، وقد خاضوا ضد أمة الإسلام حروباً مضنية طويلة، سالت من جرائها أنهار الدماء إلا إن تاريخ حروبنا معهم لم يشهد ضراوة في العداء، ولا خبثاً في الأداء، ولا إصراراً وتصميماً على تدمير الأمة وإفنائها كما يجري منهم اليوم.
فهاهم خبراؤهم، وكبراؤهم، وساستهم ورؤساؤهم يتنادون لحرب الإسلام، وإبادة أهله، والتنكيل بهم تارة باسم: 'محاربة الإرهاب والتطرف'
وتارة باسم: 'حماية حقوق الإنسان'
وأخرى باسم: 'الحفاظ على المصالح الحيوية' أو 'الأمن القومي' تعددت الأعذار والقصد واحد.
هؤلاء أعداء دينكم عملوا على إبادتكم ومحو دينكم بكل ما أوتوا من طاقة وجهد، وصلوا لذلك الليل بالنهار، طرقوا كل باب، وسلكوا كل سبيل، ورفعوا كل شعار؛ لإطفاء نور الله تعالى، فباؤوا بالفشل، وجنوا الخسار، فالله متم نوره ولو كره الكافرون قال الله تعالى: {
يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ } [الصف:8]
ورغم ضراوة هذا العداء، وكثرة أهله، وتنوع راياته، واختلاف وتوالي خطوبه، وشدة بأسه؛ إلا أن دين الأمة محفوظ، ولا يزال فيها طائفة بأمر الله قائمة كما وعد الله تعالى حيث قال {
إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر:9]
وقد قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «
لا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ » رواه البخاري ومسلم.
فالأمة الإسلامية محفوظة بحفظ رسالتها ودينها وكتابها، فهي باقية ما بقي الليل والنهار، ولا نشك في ذلك، ولا ينتابنا فيه أدنى ريب، ولو اجتمع على الأمة أهل الأرض جميعاً، وما ذاك بحولنا وقوتنا بل والله لولا الله حافظ دينه؛ لتهدمت منه قوى الأركان، فالحمد لله على نعمه الكثيرة والتي من أجلها وأعظمها حفظ الملة والدين.
فيا أيها المؤمنون إن أمتكم الإسلامية قد بليت على مدار تاريخها بمحن وحروب ونكسات أحدثها ما يمر بها إخوانكم في الملة والدين في أزمة كشر فيها الصليب والغرب الكافر عن أنيابه، كارثة أشاحت اللثام عن وجه الأمم الغربية الكافرة القبيح التي تتشدق برعاية حقوق الإنسان وحفظ كرامته، فاجعة تهاوت فيها كل الدعاوى الكاذبة والشعارات الفارغة كالشرعية الدولية التي طالما غروا بها عدداً غير قليل من أبناء أمة الإسلام، كارثة بدا فيها عُوار أمتنا، وضعف قوتنا، وتفرق كلمتنا، وتمزق صفنا، واستخفاف أعدائنا بنا، وهواننا على الناس، نازلة ليس فيها لأمة الإسلام لا ناقة ولا جمل كما قال الأول:
ويقضى الأمر حين تغيب *** تيم ولا يستأمرون وهم شهود
كارثة عقد فيها فئام من الأمة الآمال على جلاديهم وأعدائهم يرجون منهم الفرج، ويؤملون منهم النصر. تحت سمع ونظر أمة الإسلام، ولم نسمع إلا الشجب والاستنكار.
لمثل هذا يذوب القلب من كمد *** إن كان في القلب إسلام وإيمان
وإننا رغم قساوة هذه الفواجع، وفداحة تلك المآسي والنوازل نعلنها صريحة مدوية واضحة بينة لا غش فيها ولا لبس أن ما أصابنا إنما هو بسبب ذنوبنا وأعمالنا، فقد قال الله تعالى مخاطباً خير القرون، وأفضل الأجيال بعد أن هزموا في غزوة أحد: { أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [آل عمران: 165].
فما أصابنا من تسلط أعدائنا علينا إنما هو بسبب ذنوبنا، وإعراضنا عن دين ربنا، وما يعفو عنه الله تعالى أعظم وأكبر كما قال جل ذكره: { وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ } [الشورى: 30].
إن ما يجري هو والله قضية كل من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، فقوموا بما تستطيعون من نصرة إخوانكم في الملة والدين، وذلك بتقديم الدعم المادي والمعنوي كل حسب طاقته وقدرته وإمكانياته، ولا تبخلوا من ذلك شيء.
فإن عدمتم ما تقدمونه لإخوانكم، فلن تعدموا دعاءً صادقاً، وتضرعاً لله منكسراً أن يرفع عن أمتنا الذل والصغار، وأن يعجل الفرج.
فحثوا أنفسكم، وشيوخكم، وأطفالكم، وفقراءكم، ومساكينكم على الدعاء، فإن دعاء هؤلاء من الله بمكان؛ لذا قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « ابْغُونِي الضُّعَفَاءَ فَإِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ » رواه أبو داود والترمذي والنسائي وأحمد.
وفي رواية: « إِنَّمَا يَنْصُرُ اللَّهُ هَذِهِ الاُمَّةَ بِضَعِيفِهَا بِدَعْوَتِهِمْ وَصَلَاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ ».