المتتبع لأحداث الأمة خاصة في المائة الأخيرة، وبخاصة المتتبع لخطوات التغير العقدي والنسيج الأخلاقي الحادث فيها يقف على كثير من الإلمام بما نحن فيه وما نحن بصدده وما يراد بنا، فبدءً بدخول المدرسة العقلية وانتشار فكرها على يد جمال الدين الأفغاني وتلميذه المخلص لمعلمه محمد عبده، ومرورًا بظهور الشيوعية الإلحادية الإباحية واتخاذها دينًا واتخاذ الاشتراكية منهجًا، ثم ظهور العلمانية وانتشارها ونتاجها القبيح والذي من أمثلته أن خرجت علينا ظاهرة عبدة الشيطان وأفراخها التافهين عقليا وعقديا ومما ابتليت به الأمة أخيرا ظاهرة انتشرت بين حاملي راية العلم المادي والتقدم فيها وهو ما يعرف بالزواج العرفي الذي انتشر في بعض الجامعات العربية. وقبل أن نتحدث عن هذه الظاهرة ...
فبداية ما هو الزواج العرفي في الأصل؟ وهل هذه الظاهرة الجديدة التي استحدثت بعد الزواج العرفي وانتشرت هي الزواج العرفي حقيقة أم أنّها شيء آخر؟ ومن أين جاء هذا الشيء؟
الزواج العرفي أصله: هو الزواج الغير موثق المكتمل الشروط، أي أنّه زواج اكتملت فيه أركان الزواج الصحيح وشروطه ولكنه لم يوثق من الحكومات القائمة قي هذا البلد الذي تم فيه العقد. وهذه الصورة لا إشكالية فيها حيث أنّ الولي موجود وكذلك إعلان النكاح وإشهاره إلى غير ذلك فهو زواج طبيعي في بيئة حياتية غير مرتابة، والحقيقة أنّنا نعتبر التوثيق الآن من المصالح الهامة التي يرجى أن تتوفر مع العقد وذلك لضمان الحقوق المترتبة على العقد في حالة وفاة أو طلاق أو إثبات نسب أو غيره وخاصة مع قلة الدين وخراب الذمم... وهذا النوع هو الذي قد يعمى به على النّّاس فتجد بعض العلماء يفتون بجوازه مع أنّ المستفتي يقصد صورة أخرى تمامًا.
وإليك أخي القارئ أختي القارئة شروط الزواج الصحيح في الإسلام حتى يتبين الأمر بجلاء.
شروط الزواج:
يشترط لصحة الزواج ما يلي:
1- إذن ولي المرأة: وهو والدها أو أخوها أو قريبها من ناحية الأب في حالة عدم وجود أب أو أخ، أو من تختاره المرأة ـ في حالة عدم وجود هؤلاء ـ وترى أنّه يحرص على سعادتها ومصلحتها. ويرى جمهور الفقهاء أنّه لا يجوز للمرأة أن تزوِّج نفسها بدون إذن وليها، قال صلي الله عليه وسلم: «لا نكاح إلاّ بولي» [أبو داود]. وقال صلي الله عليه وسلم: «أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل» [أبو داود والترمذي وأحمد]. ويشترط في الولي أن يكون رجلا بالغًا عاقلا مسلمًا، فلا يكون أنثى ولا صبيًا صغيرًا ولا مجنونًا ولا مشركًا.
2- أن يكون الزوج مسلمًا: وألا تكون الزوجة مُحَرَّمة على الرجل، كأن تكون إحدى المحارم، أو تكون غير مسلمة أو كتابية.
3- رضا الرجل والمرأة: فإن أكره أحدهما فلا يصح الزواج.
4- الإشهاد على الزواج: ويكون برجلين مسلمين عاقلين بالغين حُرّين عَدْلَين ممّن يعرفان بالأمانة والصدق لقول الرسول صلي الله عليه وسلم: «لانكاح إلاّ بولي وشاهدي عدل» [ابن حبان والدارقطني]. ويشترط سماع الشهود وكلام العاقدين وفهم المراد منه وهو الزواج، ولذا لا ينعقد النكاح بشهادة نائمين أو أصمين وكذلك لا تصح شهادة السكران.
5- أن يكون العقد مؤبدًا: فلا يُحدد بفترة زمنية معينة، كأن يتزوج الرجل المرأة لمدة عام مثلا، وهو ما يعرف بزواج المتعة، وهو حرامٌ.
6- تعيين الزوجين بالاسم: فيقول الرجل لغيره زوجتك ابنتي فاطمة مثلا وهكذا.
7- ألاّ يكون أحد الزوجين أو الولي مُحْرِمًا بالحج أو العمرة: قال صلى الله عليه وسلم: «لايُنكِح المُحرم ولا يُنكَح ولا يخطب» [رواه الخمسة].
8- يتم الزواج بإيجاب وقبول: فيعبر الرجل عن رغبته في الزواج لولي المرأة، فيقبل الولي بعد رضاها كأن يقول: "زوجني ابنتك فلانة".
ويذكر اسمها فيقول الولي: "زوجتك إياها". أو أن يكتب له أو يشير له بإشارة مفهومة إن كان لا يستطيع الكلام فيوافق الولي، فالزواج يتم بعاقدين، وأجاز بعض الفقهاء أن ينعقد الزواج بعاقد واحد إذا كانت له ولاية على الطرفين، كأن يكون جد الزوجين، أو وكيلًا لهما. أمّا الظاهرة التي نتحدث عنها والتي تتمسح في الزواج العرفي وأطلق عليها اسمه فهي ظاهرة حديثة ابتدعها جند الشيطان وأوليائه ليخربوا بها الأمة من قبل الشاب والفتاة المراهقين، خاصة في ظل هذا الاختلاط المتفشي وهوجاء الشهوات المستعرة.
يلجأ الشاب إلى حيلة للإيقاع بهذه الفريسة بدعوى الزواج، ثم يعقد عليها عقدا دون ولي ولا إعلان شرعي، وإنّما زواج سر محرم في غياب الضمير الإنساني وتغلب الشهوة وعدم وجود الوازع الديني الذي يحرك العواطف البشرية ويهذبها ليرتقي بها إلى أعلى درجات ممكنة من السمو... فالشرع لا يحارب العواطف ولا الشهوات، ولكنّه يروضها ويهذبها لتكون في خدمة الإنسانية جمعاء لتكوين البيت الهادئ المبني على أسس من الوعي الديني والهدوء العاطفي الذي يكفل إنجاح عملية بناء هذه اللبنة المباركة التي يتكون منها المجتمع وينتظر منها تكامل نجاحه وعزته.
الزواج العرفي من أين؟
البداية بعيدة... وهي هذا الانجراف الشديد في الخط العقائدي للأمة والذي صاحبه انحراف آخر في الخط التقدمي العلمي للأمة. هل هذا الانجراف وقع نتيجة للقعود عن الجهاد ونشر العقيدة في ربوع الأرض أم نتيجة الترف العقلي ومجابهة أصحاب الجدل بنفس الأسلوب، أم أنّ وراء ذلك كيدًا من أعداء الإسلام في محاولة تشويه صفاء هذه العقيدة وخلطها بالشوائب الغريبة عنها؟
يقول محمد القحطاني في رسالته (الولاء والبراء في الإسلام): "والذي يظهر لي ـ والله أعلم ـ أنّ هذه الأسباب مجتمعة لها دورها كل بحسب أهميته، إلاّ أنّه من خلال تتبع قصة الترجمة في عهدها الأول يظهر لي: أن كيد أعداء الدين وافق هوى عند بعض المسلمين خاصة بعض الحكام في العهد العباسي ـ كالمأمون مثلًا ـ فحدث ما حدث من ترجمة لكتب المباحث السوفسطائية اليونانية وغيرها.
ويصدق ذلك: أن المأمون بعث إلى حاكم صقلية المسيحي يطلب منه أن يبادر بإرسال مكتبة صقلية الشهيرة الغنية بكتب الفلسفة!! وتردد الحاكم في إرسالها وجمع رجال دولته واستشارهم حول هذا الطلب، فأشار عليه المطران الأكبر بقوله: أرسلها إليه ، فوالله ما دخلت هذه العلوم في أمة إلا أفسدتها. فأذعن الحاكم لمشورته وعمل بها.
أحضر المأمون حنين ابن اسحق وهو طبيب ومؤرخ ومترجم وأمره بنقل ما يقدر عليه من كتب حكماء اليونان القديمة إلى العربية وأجزل له في العطاء وصدق والله المطران الصقلي: إن هذه الكتب ما دخلت أمة إلا أفسدتها. ترى من أين جاءت محنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في مسألة خلق القرآن ومن أين جاء اضطهاد علماء السنة ومحاربتهم وظهور المبتدعة أيام المأمون وغيره ؟". انتهى من (الولاء والبراء في الإسلام) بتصرف بسيط.
ومازالت الأمة تعاني من هذه التشوهات العقدية الواردة لها من أعدائها وامتدادًا لنفس هذا الخط السوفسطائي الذي سبق، وبدأت به المحن والبلايا على تصورات الأمة وعلمائها امتدادًا لنفس هذا الخط ظهرت نظريات حديثة مثل: الشيوعية والعلمانية التي انبثقت من النظرية البرجماتية القائم عليها الفكر الأمريكي اليوم، ونحن جميعا صلينا بنار الشيوعية وفتنة العلماء المخلصين والشهداء الصادقين الذين نحتسبهم عند الله والذين ضحوا بأعمارهم في سبيل إظهار فساد الشيوعية والاشتراكية كنظام حياة والرضا بالإسلام واتخاذه وحده دينًا.
فالمتأمل لما سبق يعرف أنّ هذه الظاهرة التي تفشت بين شباب المسلمين وبناتهم والتي زينت لهم الإباحية والمنكر على أنّه حق باسم الزواج العرفي، إنّما هي مكيدة من مكائد أفراخ الشيوعية والعلمانية الحديثة، ومن لم يصدق فليراجع أحداث جماعات عبدة الشيطان التي ظهرت ببعض الدول العربية وما هو فكرها والمراد منها.
بيان الفساد الشرعي لهذه الظاهرة
أولًا: أورد الإمام الشوكاني في كتاب النكاح باب (لا نكاح إلاّ بولي) ما يلي:
1- عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: «لا نكاح إلاّ بولي» [أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه].
2- عن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أيّما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل» [رواه الخمسة إلا النسائي وأخرجه الحاكم وأبو عوانة وابن حبان وحسنه الترمذي].
3- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها» [رواه ابن ماجه والدارقطني وأخرجه أيضا البيهقي وقال الحافظ رجاله ثقات].
قال الشوكاني في شرح هذه الأحاديث: "فيكون النكاح بغير ولي باطلا كما هو مصرح بذلك في حديث عائشة المذكور، وكما يدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه المذكور لأنّ النهي يدل على الفساد المرادف للبطلان. وقد ذهب إلى هذا علي وعمر وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبو هريرة وعائشة، والحسن البصري وابن المسيب وابن شبرمة وابن أبي ليلى والعترة وأحمد وإسحق والشافعي وجمهور أهل العلم، فقالوا: لا يصح العقد بدون ولي. قال ابن المنذر: إنّه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك".
ثانيًا: في باب الدف واللهو في النكاح: عن محمد بن حاطب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح» [رواه الخمسة إلا أبا داود وحسنه الترمذي وأخرجه الحاكم. من كتاب نيل الأوطار باختصار].
وممّا سبق يتضح لنا فساد هذه الظاهرة وبطلان هذا العقد بطلانا بينا لا يخالجه شك.
من المسئول؟
إذا تساءلنا من المسئول عن هذه الظاهرة الخبيثة أهي أختنا المسلمة التي أغواها الشيطان وأغوى بها، أم أنّه أخانا المسلم الذي وقع فريسة هواه وحبائل الشيطان، فنغص على روحه صفائها وعلى دينه طهارته وعلى دنياه نقاءها وبهجتها الحقيقية من أجل متعة لحظية يتحمل بعدها مسئولية شخص آخر وقع معه في نفس البئر العميق، أو ربّما يتطور الأمر فيتحمل مع النفسين نفسا ثالثة بريئة ليس لها ذنب أن تنشأ في ظل عار يفقد معه أبويه بهجة اللقاء به وتربيته، بل يتحمل ذلا ليس له فيه أي ذنب؟
الحقيقة... سألخص الأمر في بعض رسائل ونصائح أبعثها لمن أعتقد أنّه مسئول عن هذه الظاهرة والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
إلى أخي الشاب المسلم:
والله يا أخي إنّي أحبك في الله ولا يكتمل لي دين إلاّ بمحبتك هذه، لذا فهذه نصيحة لك من أخيك أرجو أن تلقى من نفسك موضعًا... يا أخي الفاضل بالله عليك مع كل ما يحدث الآن لأمتنا الغالية من هوان وذل لم تعهده من قبل ومن محاولات مستميتة لاستئصال شأفة الأمة وأنت على هذا الحال؟ أفق يا أخي وارجع إلى ربك فهو أفرح بعودتك إليه ممّا تتخيل، ويكفيك هذا الحديث العظيم الذي يدل على عظمة الخالق سبحانه، فقد أورد البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تعالى: من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره مساءته ولابد له منه».
تقرب إلى الله وعد إليه فإنّه يحب توبتك.. أتعلم أنّ الله الكبير المتعال الملك الجبار يفرح بتوبتك، نعم يفرح فهو يفرح بتوبة عبده وعودته إليه أكثر من رجل شردت دابته وعليها زاده وهو في مفازة (صحراء) قاتلة حتى أيقن الرجل الموت فوجد شجرة فنام تحتها ينتظر الموت، وبينما هو كذلك إذا براحلته فوق رأسه.... تخيل مدى فرحه بعودة الحياة إليه، واعلم أنّ الله أشد منه فرحًا بعودة عبده العاصي إليه.
يا أخي... الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة في انتظار من أطاع الله فهلا كنت من الطائعين؟؟
يا أخي أمتك بانتظارك، فساعدك في سواعد إخوانك في كل مكان لرفع راية الإسلام، تصنع المعجزات بإذن الله ولا تحقر نفسك أو جهدك ولا تستصغرها، وإنّما عد إلى ربّك وستجد طريق الحق واضحًا ودورك في الطريق مرسوم، وما عليك إلاّ أن تصدق النية مع الله فهو الذي وعد بذلك فقال: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [سورة العنكبوت: من الآية 69]. ألاّ تستصغر نفسك عندما تتذكر مصعب ابن عمير أول سفير للإسلام.... هذا الذي كان في الجاهلية أكثر شباب مكة ترفا وأجملهم هيئة، فلما ظهرت رسالة الحق أجاب النداء ولبى داعي الله وصدق في الإجابة حتى أسلمت المدينة على يديه، ومهدها لمقدم الرسول الكريم عليه أفضل الصلوات والتسليم، ثم ختم الله له بالشهادة، هذا هو الشرف والاصطفاء الرباني والتكريم الحقيقي. أمّا عما وقع منك في حق أختك المسلمة، فبالله عليك هل ترضاه على أمك أو هل ترضاه على أختك أو هل ترضاه على خالتك وعمتك؟؟ يا أخي ما لاترضاه على أهلك فلا ترضه على المسلمين «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» [حديث شريف].
إلى أختي الفتاة المسلمة:
والله يا أختاه أنت عندي أغلى من الدر المكنون واللؤلؤ المنظوم، فالفتاة المسلمة كانت من قبل مريم البتول الطاهرة، وكانت من قبل فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيدة نساء العالمين وكذلك أمها خديجة أم المؤمنين وكذا عائشة الصديقة بنت الصديق... اعلمي يا أختاه أنّك منهن وهن منك فلماذا ابتعدت؟ لماذا أراك قد أعطيت لهن ظهرك وارتعدت؟ أتعطين وجهك لأرباب العفن من الفنانات العربيات منهن والغربيات الكافرات وتصرفي وجهك عن أصلك، عن جذورك وشرفك؟؟ فهل تستوي من كانت الزهراء أسوتها ومن تقفت خطى حمالة الحطب.