اَللّهُمّ إِنّي أَسْئَلُكَ بِسْمِكَ يا مانِعُ، يا دافِعُ، يا رافِعُ، يا صانِعُ، يا نافِعُ، يا سامِعُ، يا جامِعُ، يا شافِعُ، يا واسِعُ، يا مُوسِعُ، سُبْحانَكَ...}
{اَللّهُمَّ اِنّي اَسئَلُكَ بِسْمِكَ يا مانِعُ}: يمنع العقول عن البلوغ الى كنه معرفته فكلّما أرادت الوصول، رجعتْ كليلةً حسيرةً صَفْر الكفّ.
وقيل: "المانع" هو الذّي يمنع عن أهل طاعته وينصرهم.
وقيل: يمنع ممّن يريد من خلقه ما يريد ويعطيه ما يريد.
{يا دافِعُ} كلّ نقمةٍ وبليّة.
{يا رافِعُ} كلّ دنيٍّ الى الدرجة العليّة.
{يا صانِع}: "الصُّنع" المصدري ايجادُ شيء مسبوق بالعدم. ويطلق الصّنع كثيراً في عرف أهل الحقيقة على الوجود المنبسط.
{يا نافِعُ}: لكون الوجود المنبسط الّذي هو فيضه وإشراقه لذيذاً يجلبه كلّ شيءٍ، ويطلبه كلّ حيّ، وليس علّةٌ الاّ هو مُداويها، وبه يُكشَفُ عن الماهيّات مِساويها، ولملائمته مهما تغرز إبرَةً على نملةٍ تنقبض خوفاً من أن تاخذ منها لذيذها، وهرباً من العدم.
واعلَمْ، انّ ما يترتّب على فعلٍ إن كان باعثاً للفاعل على صدور ذلك الفعل منه، سُمّى "غرضاً" و "علّةً غائيةً"، والاّ يسمى "فائدةً" و "منفعةً" و "غايةً".
قالوا: أفعال اللّه غير معللّة بالأغراض وإن اشتملت على غايات ومنافع لا تُحصى.
كلام من علم الحروف الذي من خصائص الأولياء
{يا سامِعُ، يا جامِعُ}: لمّا كان هو تعالى بسيط الحقيقة، كان جامعاً لكلّ كمالٍ وخيرٍ. ومن لطائف هذا الاسم: أنّ روحَه وعدده الذّي هو مئة وأربعة عشر، مطابق لعدد "وجود" أعني زبره وبيّناته، كما أنّ الكتاب الجامع التدّويني مئة وأربعة عشر سورة؛ ففي تطابق "الجامع" والـ"وجود" إشارة الى ما حقّق من جامعيّة الوجود للعلم والقدرة والحياة وغيرها من الكمالات، بل ثبتت عينيّته لها.
ثُمّ من اللّطائف: انّ "العدم" الذّي هو رفع الوجود ومقابله و "القيد" الذّي هو الماهيّة الّتي برزخ بينهما، كلّ منهما أيضا مئة وأربعة عشر. وفي هذا إشارة الى أنّ الماهيّات لمّا كانت اعتباريّة لا حكم لها على حيالها، وكذا العدم لا منشأ انتزاع له الاّ الوجود، كما مرّ أنّ كلّ وجودٍ عدمٌ لوجود آخر ولا معنى للعدم الاّ هو؛ وإشارة أيضاً الى أنّ الإعدام بازاء القيود ولا بدّ من فنائها.
ثُمّ هذا العدد صورته الرقميّة ستّة فاذا سقطت منه بقى مئة وثمانية وهو عدد اسمه الـ"حقّ". وفي هذا إيماء لطيف الى أنّ صور القيود إذا زهقت ومُحقت لم يبق في دار الوجود غير الحقّ ديّارٌ.
ثُمّ صورة هذا العدد تسعةٌ وهي معنى أطوار آدم حيث أنّ عدد "آدم" خمسة وأربعون وجمع واحد الى تسعة أيضاً هذا العدد، وهو عدد مساحة المثلّث المتعلّق بآدم، كما أنّ ضلعه عدد حوّا.
{يا شافِعُ} حيث لا شفيع غيره وقد ورد أنّ: آخرُ مَن يَشْفَعُ هُوَ اَرْحَمُ الّراحمين.
كلام في سعة رحمته وإنبساط نوره وفرط ظهوره
{يا واسِعُ}: وسعت رحمته كلّ شيء. كما أنّ اسمه تعالى: "المانع" إشارةٌ الى جهة الضيّق والغيبة المطلقة، كذلك اسمه تعالى: "الواسع" عبارةٌ عن جهة السّعة والظهور المطلق. والأوّل، مرتبة الخفاء؛ والثاني، مقام المعروفيّة المشار اليهما في الحديث القدسي: "كنتُ كنزاً مخفيّاً فاَحببتُ اَن اُعرفَ فَخلَقتُ الخلق لكي اُعرَفَ" وما في القرآن الكريم من أمثال قوله تعالى: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً} [طه: 110] رموزٌ الى الأوّل، وأمثالُ قوله: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ} [البقرة: 115] شهودٌ على الثّاني. فمن يُقنِطُه الأحاديث الشّريفة من أمثال قوله (عليه السّلام): "اِحتجَبَ عَنِ العُقولِ كَما احتَجَبَ عَنِ الأَبصار" وقوله: "كُلّما مَيّزْتُموُهُ بِأوهامِكُم"- الحديث، فليُرجه نظائر قوله (عليه السّلام): "لَو اُدْليتُمْ اِلَى الاَرضِ السُّفلى لَهَبَطَ عَلى اللّهِ" و "ما رَأيْتُ شَيئاً اِلاّ وَرأيتُ اللّه فيهِ" ولهذا قال عليّ (على السّلام): "لَم اَعبُد ربّاً لَم اَرَه" و "لَو كُشِفَ الغِطاءُ ما ازددتُ يَقيناً" فبالاعتبار الأوّل، لا يَعلم ما هو الاّ هو وبالاعتبار الثاني، لا يعرف الاّ هو، فإن قرع سمعك ما ترنّم به عندليب حديقة التقديس من قوله:
تَبارَكَ اللّهُ وارَتْ ذاته حُجُبٌ فَليَس يَعرِفُ اِلاّ اللّهُ مَا اللّهُ
فقُمْ واصْدعْ بما غرّد حمامةُ التأنيس، في حرم كعبة الوداد من قوله:
لا تَقُل دارُها بشِرقيّ نَجدٍ كُلُّ نَجدٍ لِعامرِيَّةِ دارٌ
وَلَـها مَـنزِلٌ عَلى كُلِّ ماءٍ وَعَلى كُلِّ دِمنَةٍ آثارٌ
{يا مُوسِعُ}: اي مُعطي السّعة لمن يشاء.
{سُبحانَكَ...}.